الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم المنصف بن مراد: رسـالة من تحت القبر من مواطن لا يـــريـد لـتـونـس أن تـدفـن...

نشر في  27 أفريل 2016  (10:38)

تونس بلد خرج قبل نشأة التاريخ من أرحام بطلات وأنجبه أبطال ورجال دولة كانت لهم أحلام عملاقة وتصوّرات ومشاريع.. ثم أتى «التغيير»!
فماذا يشاهد المواطن اليوم؟
على الصّعيد الاقتصادي، هناك شبه انهيار بسبب الاضطرابات الاجتماعيّة التي لئن كانت تعكس مطالب مشروعة،  فإنّها في الوقت نفسه تربك النموّ الاقتصادي وترعب المستثمرين وتؤسّس لدولة الفوضى، وهنا لابدّ من التذكير بأنّ الحكومة ليس لها ايّ مشروع أو رؤية شاملة ومتناغمة لفائدة الولايات المهمّشة أو حتى بالنسبة لعموم البلاد رغم انّها اتخذت عددا من الاجراءات الاصلاحيّة..

انّ تونس التي لم تنجح في ضمان نسبة نمو تفوق 1 ٪ تمرّ بفترة ضبابية خطيرة ستتفاقم خلالها الأخطار لأنّ حكومتنا ستخضع للمؤسسات المالية الدولية ممّا سيؤجّج الاحتجاجات الاجتماعيّة والاضطرابات لأنّ هذه المؤسّسات التي ستقرض تونس أكثر من 6000 مليار خلال السّنوات الأربع  القادمة ستفرض التقليص من ميزانيات الوزارات الاجتماعية كالصحة والتعليم كما ستطالب بالحدّ من انتداب الوزارات للموظّفين وكذلك تنقيح قانون الشغل..
انّ الأشهر المقبلة ستكون عويصة لأنّ اتحاد الشغل سيرفض الاختيارات الليبيرالية للحكومة مما قد يؤدي ـ لا قدر الله ـ الى مواجهات عنيفة، وكم دعوت الحكومة في افتتاحيات سابقة الى أن تتشاور مع المنظّمة الشّغيلة في كل ما يخصّ السياسات الاجتماعيّة والمديونية والعدالة الاجتماعية حتى نجنّب بلادنا الفوضى المدمّرة، مع الملاحظة انّ المؤسسات الأجنبية المانحة للقروض تضغط على الحكومة التونسية حتى لا تستجيب لطلبات اتحاد الشغل...

من جهة أخرى، اعتقد انّ التسيب الاجتماعي والاضطرابات والمطلبية، أمر في منتهى الخطورة! فكيف يباح تكبيل الشركات والمصانع ومنعها من النّشاط واهانة مسيّريها، أو إقامة جدار فوق السكة الحديديّة باسم المطالبة بالتشغيل،  كما انّ المطالبة بهذا الحق لا تكون من خلال حرق مراكز السيادة والمنشآت العمومية وتعطيل الحياة العامّة.. انّ المطالبة بالشغل أو بالزيادة في الأجر،  مشروع لكن ـ فقط ـ في حدود ما يسمح به القانون وتقرّه المواثيق الاجتماعية وامكانات الاقتصاد..  انّ تونس بحاجة إلى حكومة قويّة تتحاور مع اتحاد الشغل في كل ما يتعلق بنموذج التنمية والعدالة الاجتماعيّة والجباية، وفي الآن نفسه فانّ بلادنا بحاجة إلى حكومة تفرض احترام القوانين ولا ترضخ للتهديدات وقطع الطريق! ولو تواصلت عمليات ليّ الذراع Bras de fer لغرقت البلاد، مع الإشارة الى أنّه على اتحاد الشغل ان يراعي المرحلة الصعبة التي تمرّ بها البلاد وذلك بعدم مساندة المطالب بصفة عمياء، وهنا أستشهد بمؤازرة نقابة مستشفى الحبيب بورقيبة بصفاقس التي رفضت تعيين ضابط محترم في الجيش الوطني لإدارة هذه المؤسسة الصحّية فإذا بالاتحاد يدعو الى شنّ اضراب عام لدعم تغيير المدير! إنّه لا أحد يشكّ في وطنيّة اتحاد الشّغل ونضالاته ومع هذا عليه وعلى الحكومة ان يتّفقا على ثوابت تنموية ومنهجيّة في المفاوضات!

أما على الصّعيد الأمني فقد استغربت الافراج عن ضابط الشرطة عبد الكريم العبيدي القريب من حزب النهضة وذلك بعد ان وقع اتهامه بأنّ له علاقة ما مع الأمن الموازي كما حامت شكوك حول ضلوعه في اغتيال الشهيد محمد البراهمي، وفي هذا السيّاق نشير الى أنّ المتهمين باغتيال الشهيد لطفي نقض في تطاوين لم يقع الحكم عليهم الى يومنا هذا وهم ـ لمن لا يعلم ـ من أنصار النهضة ومؤتمر المرزوقي!
انّ عدم اخضاع المتهمين للمحاسبة والتتبّع يثبت انّ هناك مظلة حزبية تحمي الأصدقاء من كل تتبع.. انّ الأمر لا يتعلق بعمليات سرقة أو تحيّل أو تدليس بل بأمن تونس وحياة أبنائها.
على صعيد آخر رغم بطولة جيشنا وأمننا وحرسنا في حربهم على الارهاب نلاحظ اخلالات عديدة يقف وراءها كبار المهرّبين وهم الحاكمون الفعليون في بعض الولايات بفضل أموالهم الطائلة وشبكاتهم المافيوزية وفي بعض الأحيان بفضل علاقاتهم الجيّدة بمسؤولين سياسيين نافذين..
انّ الأسلحة والأموال السوداء والمخدّرات والارهابيين ينتشرون اليوم في البلاد بسبب التسامح الغريب للدولة ازاء كبار المهرّبين! انّ «دولة المافيا» أقوى في بعض الولايات من الدولة القائمة! اضافة الى التقاعس في ردع كبار المهرّبين توجد اخلالات في منظومة التصدّي للارهاب نتيجة تأثيرات الرشوة التي انتشرت وساهمت في بروز ممرّات آمنة لفائدة المافيا..

أمّا الاشكالية الثالثة فتتعلق بعدم تشبّع بعض المؤسسات الاعلامية بروح المسؤولية فهي تغذي في بعض البرامج التشدّد والارهاب و«تشليك» الدولة كما تقدّم برامج أخرى ـ الخيانات الزوجية والكحول والمخدّرات ـ وكأنّها ظواهر طبيعية في مجتمعنا..
انّ مثل هذه البرامج تساهم في الفكر المتطرّف وتدمير الأخلاق وتعميق الميوعة والفساد، وان كنت ضدّ كل هذا فأنا لست من المتزمتين بل من المدافعين عن الحرّيات الفردية لكن وسائل الاعلام هذه حطمت بعض الثوابت وجعلت من الدعارة والخيانة والكحول والمخدرات «أشياء» يمكن الخوض فيها دون ايّ حرج.. ان ثقفافة «البوز» وخوف بعض اصحاب أجهزة الاعلام من السجن جعل منهم فريسة سهلة لدى السياسيين وحتى كبار المهرّبين..
انّ تونس ستخرج بفضل شبابها ونسائها ونخبها وجيشها وأمنها من النّفق المظلم سواء بعد سنوات أو عقود لكن اليوم ها انّ بلادنا تصارع العاصفة وهي أحوج ما تكون وأكثر من أيّ وقت مضى الى قيادة سياسية حديديّة تحترم الدستور والحريات وتأخذ بعين الاعتبار المطالب الاجتماعية للشغّالين والولايات التي همّشت، وفي الآن نفسه تفرض الانضباط وهيبة الدولة وعلوية القانون وقيم العمل والاجتهاد.
في الانتظار معظم الطبقة السياسية ومعظم وسائل الإعلام ومعظم المنظمات وكبار المهربين تنهش لحم تونس وبلادنا تغرق..